Location via proxy:   [ UP ]  
[Report a bug]   [Manage cookies]                

اشتهاء الطيبات: ليس مجرد تذوق فحسب

2018

هل تعاني من نوبات شديدة من الإحساس بالشهية العارمة لتناول طعام معين أو قطعة حلوى؟ هل يصبح تركيزك أفضل إذا ما دخنت سيجارة، خصوصاً إذا كنت جالساً في مكتبك تقرأ أو تفكر بمسألة ما؟ وهل تستمتع مساءً وأنت تجلس أمام التلفزيون، تقلبه من محطة لأخرى و تتناول المكسرات أو قطع الشوكولاته؟ وهل أنت ممن لا يستطيعون صباحاً البدء بأي نشاط قبل ارتشاف فنجان من القهوة أو الشاي؟ وهل أنت من الأشخاص الذين "يمرضون" إذا لم يعملوا بدأب طوال النهار، ويجدون صعوبة في التوقف عن العمل أو إرجاء ما لم يتم إنجازه للغد...؟

‫‪1‬‬ ‫‪Arabic Science Archive (arabixiv.org) 2018‬‬ ‫اشتهاء الطيبات‪ :‬ليس مجرد تذوق فحسب!‬ ‫!‪Beyond the appetite of good food: addiction‬‬ ‫أ‪ .‬د سامر جميل رضوان* ‪Prof. Dr. Samer J. Rudwan‬‬ ‫هل تعاني من نوبات شديدة من اإلحساس بالشهية العارمة لتناول طعام معين أو قطعة حلوى؟ هل يصبح‬ ‫تركيزك أفضل إذا ما دخنت سيجارة‪ ،‬خصوصاً إذا كنت جالساً في مكتبك تق أر أو تفكر بمسألة ما؟ وهل تستمتع‬ ‫مساء وأنت تجلس أمام التلفزيون‪ ،‬تقلبه من محطة ألخرى و تتناول المكسرات أو قطع الشوكوالته؟ وهل أنت ممن ال‬ ‫ً‬ ‫يستطيعون صباحاً البدء بأي نشاط قبل ارتشاف فنجان من القهوة أو الشاي؟ وهل أنت من األشخاص الذين‬ ‫"يمرضون" إذا لم يعملوا بدأب طوال النهار‪ ،‬ويجدون صعوبة في التوقف عن العمل أو إرجاء ما لم يتم إنجازه‬ ‫للغد‪...‬؟‬ ‫إذا كنت واحداً من هؤالء‪ ،‬وأجبت بنعم عن واحد أو أكثر من األسئلة المطروحة أعاله‪ ،‬فقد تقف على‬ ‫إحدى درجات السلم الذي تسمى نهايته اإلدمان‪ .‬إذ ليس بالضرورة أن يتعاطى اإلنسان المخدرات بأنواعه المختلفة‬ ‫أو يشرب الكحول حتى تطلق عليه صفة المدمن‪ .‬فلإلدمان أنواع‪ .‬حتى ما يسمى بـ "عقاقير" الحياة اليومية‪،‬‬ ‫كالتدخين والشاي والقهوة والشوكوالته و المكسرات و مشاهدة التلفزيون أو استعمال الحاسب‪ ،‬بإسراف إلخ تعد من‬ ‫األشياء التي يمكن أن تسبب اإلدمان عليها‪ ،‬والتعود إلى درجة أن أجسادنا ال تشعر بالراحة والهدوء إال عند تناول‬ ‫ما اعتدنا تناوله أو ممارسة ما اعتدنا ممارسته باستمرار‪ .‬وحتى التعلق بشخص آخر‪ ،‬واالعتقاد بأن الحياة ستصبح‬ ‫جحيماً من دونه يمكن اعتباره شكالً من أشكال اإلدمان (العاطفي)‪.‬‬ ‫ويرى العلماء اليوم أن هذا التعود ليس مجرد اعتياد نفسي أو عادة اعتدنا ممارستها بصورة آلية إن جاز التعبير‪،‬‬ ‫وانما يملك في كثير من جوانبه أساساً حيوياً يمكن فهمه وتفسيره‪ ،‬أي أنه يرتبط بإفراز مواد كيماوية محددة في‬ ‫الدماغ تحدد سلوكنا واتجاهاتنا نحو األشياء واألشخاص‪.‬‬ ‫اإلنسان مخلوق إدماني بطبيعته‪ ،‬بمعنى أنه يتعود أو يع ِّود نفسه خالل مجرى حياته على أشياء وأمور كثيرة‬ ‫إلى درجة أنه يصعب عليه في النهاية أن يتخلص منها أو يخفف مما اعتاد عليه‪ .‬لقد خلق اهلل سبحانه وتعالى‬ ‫الدماغ اإلنساني المعقد والغامض الذي يكتشف العلماء مزيداً من أس ارره الكامنة يوماً بعد اآلخر‪ .‬ومن الخصائص‬ ‫المعروفة اليوم أن الدماغ اإلنساني مبرمج وفق آلية توصيل معقدة تقوم في أساسها على "برنامج" يعمل وفق مبدأ‬ ‫*‬ ‫‪Prof. Dr. Samer J. Rudwan, Department of Education & Cultural Studies, College of Arts & Sciences, University of Nizwa,‬‬ ‫‪Oman. Email: srudwan@hotmail.com‬‬ ‫ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﺷﺗﮭﺎء اﻟطﯾﺑﺎت واﻹدﻣﺎن | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ ‪2018‬‬ ‫‪DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/bxngq‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪Arabic Science Archive (arabixiv.org) 2018‬‬ ‫تجنب األلم واإلزعاج والبحث عن المتعة أو الراحة (أو التوازن)‪ .‬وعندما نتناول مادة ذات طعم لذيذ أو نمارس‬ ‫نشاطاً ممتعاً يتم تنشيط مراكز التعزيز والمتعة في الدماغ التي ترتبط بها كل وظائف الحماية والحفاظ على الذات‬ ‫ووظائف الطعام والشراب إلخ‪.‬‬ ‫يقول البروفيسور "أالن مارالت" مدير مركز أبحاث اإلدمان في جامعة واشنطن مبر اًر سبب إطالق صفة‬ ‫اإلدمان على مثل هذه الممارسات أو النشاطات‪" :‬بما أننا نشعر بالرضى أو الراحة المباشرة بعد تناول هذه المواد أو‬ ‫بعد ممارسة نشاط ممتع‪ ،‬وبما أنه يصعب في كثير من األحيان التخلي عن مثل هذه األمور بسهولة‪ ،‬فإن هذا‬ ‫يطابق المعايير العلمية لإلدمان"‪ .‬ووفق هذا التعريف‪ ،‬فإن كل نشاط من أنشطة الحياة يمكن أن يصبح إدماناً‪ .‬ومن‬ ‫هنا يفضل العلماء استخدام تسمية "السلوك اإلدماني" بدالً من مصطلح اإلدمان‪ .‬فمصطلح اإلدمان يتضمن المرض‬ ‫و يوحي بإدمان المخدرات وما شابه‪ .‬وهذا الشكل من اإلدمان له عوامله المتشابكة والمتداخلة وينهك الجسد والنفس‬ ‫ويحطم الروابط االجتماعية واألخالقية والدينية‪ .‬ولكن‪ ،‬كلما تمكن العلماء من فهم اآلليات الحيوية والعصبية والنفسية‬ ‫للدماغ ‪ ،‬أمكن تحديد العالقة الكامنة بين اللذة و اإلدمان وتطوير وسائل أفضل للمساعدة عندما ينزلق المبدأ‬ ‫الطبيعي للذة في أسر اإلدمان ويصبح عبداً لها‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬لماذا لم تحظ الحقيقة القائلة‪" :‬إن ماليين البشر يعانون من نوع من أنواع اإلدمان على التدخين أو‬ ‫األطعمة أو النشاطات المختلفة‪ "...‬باالهتمام الكبير من العلماء وهل تعني هذه الحقيقة أن هؤالء "مرضى" أو‬ ‫"ضعفاء اإلرادة"؟‪‎‎‬الجواب‪‎‬عن‪‎‬الشق‪‎‬األول‪‎‬يكمن‪‎‬في‪‎‬أن‪‎‬العواقب النفسية‪‎‬والجسدية‪‎‬واالجتماعية‪‎‬الوخيمة‪‎‬الناجمة‪‎‬عن‪‎‬‬ ‫إدمان‪‎‬المخدرات‪‎،‬كالحشيش‪‎‬والهيروين‪‎‬والكوكائين‪‎‬وما‪‎‬يشبه‪‎‬ذلك‪‎،‬قد‪‎‬جعلت‪‎‬اهتمام العلماء والحكومات والمؤسسات‬ ‫األخرى ينصب بصورة مكثفة على هذا النوع من اإلدمان ومخاطره أكثر من االهتمام بمسألة االهتمام "بعادات‬ ‫سلوكية يومية أو بعقاقير الحياة اليومية"‪ .‬أما اإلجابة عن الشق الثاني من السؤال حول اإلرادة فهي بالنفي طبعاً‪.‬‬ ‫ويرى بعض العلماء أن األمر ليس أكثر من مجرد عادات سيئة وضارة إلى حد ما‪ ،‬تهدف إلى التغلب على الضغط‬ ‫المتزايد الذي نعاني منه جميعاً في عصرنا هذا‪ ،‬والى مواجهة متطلبات الحياة اليومية‪ .‬إنها نوع من "العكاكيز" (أو‬ ‫المساند) التي نستند إليها لتعيننا على اجتياز مسيرة يومنا أو حتى حياتنا كلها‪.‬‬ ‫اع أم دون وعي‪ ،‬فإنها قد تساعد في تخفيف‬ ‫وسواء استهلك اإلنسان "عقاقير الحياة اليومية" هذه بشكل و ٍ‬ ‫الضغط النفسي وتسهم في رفع القدرة على اإلنجاز والعمل والتكيف‪ .‬فتناول الشكوالتة مثالً يقود إلى تحسين المزاج‬ ‫نوعاً ما‪ .‬ومن يشعر بالغم والحزن واالنحطاط يستطيع من خالل تناولها أن يقدم لدماغه مادة منشطة سريعة التأثير‪.‬‬ ‫ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﺷﺗﮭﺎء اﻟطﯾﺑﺎت واﻹدﻣﺎن | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ ‪2018‬‬ ‫‪DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/bxngq‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪Arabic Science Archive (arabixiv.org) 2018‬‬ ‫ويرى العلماء أن خبرات اللذة (أو التعزيز) التي يقدمها اإلنسان لنفسه كمكافأة ذاتية تقوم بتقوية جهاز المناعة لديه‪،‬‬ ‫وتعمل كموانع ضد الكثير من أنواع الضغط المحيطة بنا‪ ،‬كالضجيج والح اررة والمنافسة ووسائط النقل والعمل‬ ‫اإلضافي إلخ‪.‬‬ ‫ما هي الوظيفة التي تؤديها "عقاقير الحياة اليومية" هذه؟‬ ‫وهل تناولها بانتظام هو من العادات الصحية الخطيرة فعالً أم أن هناك أساس حيوي لذلك؟ لنتناول بعض‬ ‫المواد األكثر انتشا اًر واستهالكاً عند شعوب األرض كافة‪ ،‬أي القهوة والشاي والتدخين‪ .‬يرى بعض علماء النفس أن‬ ‫الهدف الكامن وراء االستهالك الكبير في الوقت الراهن لهذه المواد هو إعادة تكييف الجسد اإلنساني مع طبيعة‬ ‫األعمال التي يقوم بها اإلنسان في هذا العصر‪ ،‬أال وهي األعمال التي أصبحت تدار جلوساً على الكراسي أمام‬ ‫اآلالت أو أجهزة الكمبيوتر في أغلبها‪ .‬فقد أصبح الدماغ الجزء األكثر أهمية من باقي أعضاء الجسد في يومنا هذا‪.‬‬ ‫أما القسم المتبقي من الجسد فلم يعد يلعب دو اًر كبي اًر في كثير من األعمال‪ .‬غير أن الجسد اإلنساني كان قد اعتاد‬ ‫منذ أن وجد اإلنسان على هذه األرض على أن يبذل من الطاقة أكثر بكثير مما يبذل الدماغ‪ .‬وبما أن اآلية قد‬ ‫انعكست بشكل كبير في الوقت الراهن‪ ،‬فإن الجسد والدماغ يحتاجان لهذه المواد "المساعدة" من أجل تحقيق نوع من‬ ‫التوازن يقوم على تنشيط الدماغ من أجل أداء وظائفه بصورة أفضل‪ ،‬وفي الوقت نفسه التخفيض من نشاط باقي‬ ‫أقسام الجسد كي تتاح الفرصة للدماغ للقيام بما هو مطلوب منه‪ .‬فالقهوة أو الشاي‪ ،‬بما يحتويانه من مادة الكافيين‪،‬‬ ‫يؤثران بشكل إيجابي من خالل تنشيط الدماغ‪ ،‬أما النيكوتين فيؤثر سلباً من خالل تهدئته (كبحه) لنشاط باقي‬ ‫الجسد‪ ،‬أي من خالل تخفيض نشاطه أو حركاته إلى الحد األدنى‪ ،‬األمر المرغوب جداً والمطلوب كثي اًر في العمل‬ ‫العقلي‪ .‬وبهذا المعنى‪ ،‬يشكل التدخين سلوكاً بديالً عن النشاطات الجسدية المجبرة على أن تظل لفترة طويلة ضمن‬ ‫الحد األدنى من النشاط والحركة ليتاح للدماغ تأدية وظائفه‪ .‬وهذا هو السر الكامن خلف كثير من "عقاقير الحياة‬ ‫اليومية" والمتمثل في االرتباط بين متعة التذوق أو التلذذ باألشياء الممتعة و حل المشكالت‪.‬‬ ‫ويرى "ديفيد واربورتون"‪ ،‬المتخصص باألدوية النفسية و مؤسس جمعية أبحاث علوم الطيبات ‪Associates for‬‬ ‫‪ ،Research into the Science of Enjoy‬بأن الضغط النفسي يضعف جهاز المناعة الجسدي والنفسي عند‬ ‫اإلنسان‪ ،‬ويجعله عرضة لكثير من األمراض – حتى الزكام البسيط‪ .‬وقد توصل "واربورتون" في دراسات أجريت‬ ‫على ‪ 5000‬موظف في ‪ 16‬بلداً حول كيفية تغلبهم على الضغط و عاداتهم االستهالكية أن االستهالك – بمقدار‬ ‫معين ال إفراط فيه – للطيبات كالشوكوالتة والقهوة والشاي و (التدخين!) يمكن أن يقود إلى تقوية المناعة عند‬ ‫اإلنسان‪ .‬أما السبب الرئيسي للضغط النفسي فكان كثرة العمل‪ .‬وكلما كانت المؤسسة أو الشركة أكبر‪ ،‬كان الميل‬ ‫إلى الضغط أكبر‪ .‬أما وسائل التغلب على الضغط‪ ،‬فقد كانت الحديث مع األصدقاء أو تبادل الوالئم معهم (‪،)%81‬‬ ‫شرب القهوة والشاي (‪ ،)%68‬والعصير (‪ )%50‬وتناول الحلويات كالشوكوالته وما شابه (‪ )%27‬التدخين (‪.)%27‬‬ ‫ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﺷﺗﮭﺎء اﻟطﯾﺑﺎت واﻹدﻣﺎن | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ ‪2018‬‬ ‫‪DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/bxngq‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪Arabic Science Archive (arabixiv.org) 2018‬‬ ‫وقد رأى ‪ %90‬من عينة الدراسة أن هذه المواد فاعلة جداً في التغلب على الضغط‪ ،‬بل وتحسن الكفاءة‪ .‬وأن غالبية‬ ‫النساء يفضلن تناول الشوكوالته كمعززات ضد الضغط الذي يعانين منه‪ .‬وفي ألمانيا وبلجيكا وهونكونغ‪ ،‬يفضل‬ ‫الموظفون الطعام أثناء العمل للتخلص من التعب والضغط في حين أنه في اليونان وفرنسا والدنمارك يفضلون‬ ‫التدخين‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬كيف يمكن ألطعمة المساعدة في التغلب على الضغط؟‬ ‫يرتبط تفضيلنا لنوع معين من الطعام بالجسد‪ .‬فعندما نشعر بشهية لنوع محدد من الطعام‪ ،‬فإن ذلك يعود بالدرجة‬ ‫األولى إلى أن الجسد يرسل رسائل بأنه يحتاج إلى مادة معينة من أجل أن يسير عمله بصورة صحيحة‪ .‬وغالباً ما‬ ‫ترتبط هذه اإلشارات بتغيرات في المزاج‪ ،‬خصوصاً إذا لم يستجب اإلنسان لوقت طويل لتلك اإلشارات الجسدية‪.‬‬ ‫وعندما نلبي نداء الجسد‪ ،‬فإننا سرعان ما نشعر بالراحة وتحسن المزاج وتعود طاقاتنا لوضعها الطبيعي‪ .‬وقد وجد‬ ‫العلماء أنه عندما نمد جسدنا بالطاقة الالزمة‪ ،‬فإن أعصابنا تصبح أهدأ كذلك‪ ،‬وأن التوترات النفسية التي تعاني‬ ‫منها المرأة مثالً قبل بداية الدورة الشهرية تختفي‪ ،‬بل حتى أن النساء يستطعن تجاوز مرحلة السن الحرجة (سن‬ ‫اليأس) بشكل أفضل‪ .‬ولألسف‪ ،‬فإن غالبية النسوة ال يعرن انتباهاً لهذه التأثيرات اإليجابية للطعام‪ ،‬ويسعين نحو‬ ‫النحافة الزائدة من خالل بعض أنواع الريجيم القاسي والمرهق‪ .‬وعاداتنا االجتماعية غالباً ما تعتبر أن الرغبة في‬ ‫الطعام والشهية المفتوحة أمر غير طبيعي‪ .‬ولكن أثبتت الدراسات أن األمر طبيعي‪ ،‬بشكل خاص لدى النساء‪.‬‬ ‫فالشهية الكبيرة للطعام وللحلويات خصوصاً هي جزء من التكوين الوظيفي للمرأة‪ .‬وهذه الحاجة هي حاجة حيوية‬ ‫بالدرجة األولى‪ ،‬كالنوم عندما نشعر بالتعب والتدفئة عندما نشعر بالبرودة إلخ‪.‬‬ ‫وهذا السر الحيوي أودعه اهلل سبحانه وتعالى لحكمة يريدها‪ ،‬ومازال العلماء ال يعرفون عن هذا السر إالَ القليل‪.‬‬ ‫فالشهية الشديدة – بشكل خاص عند المرأة ‪ -‬هي حادث بيولوجي طبيعي تضمن إمداد الجسم بالمواد‬ ‫الغذائية الكافية‪ ،‬وتحافظ على اإلمداد المناسب للدماغ بالسكر‪ ،‬و بالتالي على توازننا النفسي‪ .‬وهذه الشهية تعكس‬ ‫ما يحتاجه جسدها‪ ،‬خصوصاً في فترة الوحم التي يبدأ فيها الجنين بالتشكل و يحتاج إلى مواد معينة للبناء والنمو‪.‬‬ ‫وما زال االرتباط الكامن بين العمليات الدماغية و الشهية للطعام ميدان بحث جديد‪ .‬وقد وجد العلماء أن بعض مواد‬ ‫النقل العصبية‪ ،‬كالسيروتونين واألندروفينات‪ ،‬مهمة جداً بالنسبة للمعلومات الخلوية األنثوية‪ ،‬أي بالنسبة للعالقة بين‬ ‫التوازن النفسي والشهية لنوع محدد من الطعام‪ .‬والسيروتونين هو مادة كيماوية وظيفتها النقل العصبي في المشابك‬ ‫العصبية (ناقل عصبي)‪ ،‬وغالباً ما يمتلك تأثي اًر مهدئاً و يقود إلى اإلحساس بالتوازن‪ .‬أما األندروفينات (أو ما يسمى‬ ‫بأفيونات الدماغ) فهي مواد يطلقها الدماغ وظيفتها تنشيط مراكز الثواب والمتعة في الدماغ‪ .‬وقد ال حظ العلماء‬ ‫ازدياد إفراز أو تحرير هذه المواد بعد تناول الدهون والسكريات (بشكل خاص الشوكوالته)‪ .‬فالمواد الدهنية والسكريات‬ ‫تساعد على اإلحساس بالراحة الجسدية‪ ،‬أي تمد الجسد بالطاقة الالزمة للعضالت وحث الدماغ على إطالق‬ ‫ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﺷﺗﮭﺎء اﻟطﯾﺑﺎت واﻹدﻣﺎن | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ ‪2018‬‬ ‫‪DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/bxngq‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪Arabic Science Archive (arabixiv.org) 2018‬‬ ‫السيروتونين و األندروفينات التي تجعلنا نشعر بالراحة النفسية واإلحساس بالهدوء والرضى‪ ،‬وكل هذه المواد تساعدنا‬ ‫على الشعور بالراحة والصحة والسعادة‪ ،‬أي تحقيق التوازن بين الجانب الجسدي والنفسي‪.‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬يمكن أن يتضح لنا جانب من العالقة المعقدة بين الجسد والنفس‪ .‬وعندما تنخفض كمية السيروتونين في‬ ‫الدماغ‪ ،‬يشعر اإلنسان باإلحباط والتوتر الحاجة إلى أكل النشويات (كالخبز والبطاطا أو الرز) أو للسكريات‬ ‫(الفاكهة أو العصير…إلخ) من أجل رفع كمية السيروتونين في الجسد‪ .‬وعليه‪ ،‬عندما يأكل اإلنسان ما يشعر بأنه‬ ‫يشتهيه‪ ،‬يكون أكثر استق ار اًر من الناحية النفسية وأكثر سعادة‪ .‬والشيء نفسه ينطبق على األندروفينات التي يقود‬ ‫انخفاض محتواها إلى الشعور بالتعب واإلنهاك وبالتالي إلى الحاجة الجسدية للدهون والسكريات (الشوكوالته)‪.‬‬ ‫ويعتقد العلماء أن كمية هذه المواد تنخفض مع بعضها البعض وبالتالي يشعر اإلنسان بحاجته للدهون والسكر معاً‪.‬‬ ‫فقد وجدوا أن النساء غالباً ما يمتلكن شهية (طبيعية) كبيرة للطعام المركب من الدهون والسكر أكثر من الطعام‬ ‫المؤلف من السكر أو من الدهون كل على حدة‪ .‬والشوكوالته تعد بالتحديد المادة المثالية ألنها تحتوي على ‪%50‬‬ ‫سكريات و ‪ %50‬دهون‪ .‬ومن هنا ينبع الميل الشديد للنساء نحو الشوكوالته –ولكن الرجال كذلك وان كان بدرجة‬ ‫أقل‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬لماذا النساء بالتحديد‪ ،‬أكثر من الرجال‪ ،‬هن اللواتي يمتلكن هذا االرتباط الحيوي الشديد بين الحاجة لنوع‬ ‫معين من الطعام والمزاج؟‬ ‫على الرغم من أن األمر مازال في طور التجارب والدراسة‪ ،‬إال أنه يعتقد أن األمر أبعد من مجرد شهية‬ ‫نحو نوع محدد من الطعام يغذي الجسد ويساعد في اإلحساس بالراحة النفسية‪ .‬ولعل األمر يرجع بالدرجة األولى‬ ‫إلى دافع البقاء عند اإلنسان‪ .‬فمنذ أن خلق اهلل اإلنسان على وجه األرض‪ ،‬تعلم هذا اإلنسان أن يتحمل فترات الجوع‬ ‫الطويلة حيث لم يكن باإلمكان دائماً الحصول على الطعام بسهولة‪ .‬وهو عندما كان يحصل على الطعام‪ ،‬كان يقوم‬ ‫جسده بتخزين أكبر كمية ممكنة منه الستهالكها وقت الحاجة‪ .‬ولدى المرأة بشكل خاص‪ ،‬فإن الجسم يميل لتخزين‬ ‫كميات أكبر من الدهون من أجل الحفاظ على الخصوبة و التمكن من تجاوز فترة الحمل كاملة حيث يحتاج الجسد‬ ‫هنا إلى كميات مضاعفة من المواد الغذائية لتغذية األم وجنينها وارضاع الطفل بعد الوالدة‪ .‬أما ارتباط تناول‬ ‫السكريات والدهون بالسيروتونين واألندروفين فهو سر من أسرار الخالق سبحانه وتعالى‪ .‬وربما لو لم يكن هذا‬ ‫االرتباط موجوداً المتنع اإلنسان عن الطعام ألسباب كثيرة منها رغبته في التوفير أو بسبب انشغاله بالعمل أو‬ ‫ألسباب أخرى متنوعة‪ ،‬وبالتالي أدى األمر إلى هالكه‪ .‬ولكن عندما يصدر الدماغ إشارات كيميائية للتعبير عن‬ ‫حاجته لكميات من السيروتونين واألندروفين وعندما يشعر اإلنسان بالهمود والتوتر واالنحطاط العام‪ ،‬نتيجة ذلك‪،‬‬ ‫تجده مضط اًر لتناول الطعام لتعديل مزاجه بالدرجة األولى وإلمداد جسده بالطاقة من جهة أخرى‪ .‬ولكن‪ ،‬ليس أي‬ ‫طعام وانما يشتهي غريزياً ذلك الطعام الذي يمده بما يحتاجه جسده ودماغه دون الحاجة إلى إجراء تحاليل طبية‬ ‫ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﺷﺗﮭﺎء اﻟطﯾﺑﺎت واﻹدﻣﺎن | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ ‪2018‬‬ ‫‪DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/bxngq‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪Arabic Science Archive (arabixiv.org) 2018‬‬ ‫عما ينقص جسمه من مواد أو تحليل األطعمة من أجل البحث فيها عن المادة التي يحتاجها الجسد‪ .‬ومثل هذا‬ ‫السلوك نجده في عالم الحيوان كذلك‪ .‬فالطيور مثالً تبحث عن المواد التي تحتوي على الكالسيوم في موسم وضع‬ ‫بأذى‪.‬‬ ‫البيض وبعض الحيوانات تأكل نوعاً معيناً من النباتات عندما تمرض أو تصاب ً‬ ‫والسؤال المطروح هنا ما عالقة ذلك بالسلوك اإلدماني الذي أشرنا إليه آنفا؟‬ ‫بما أن النقص في هذه المواد يسبب الشعور باالنزعاج‪ ،‬ويقود إلى إرسال إشارات معينة من الدماغ تثير‬ ‫الشهية لتناول نوع محدد من المواد الغذائية – وهذا بالتحديد هو أحد معايير السلوك اإلدماني‪ -‬فإنه يمكن النظر‬ ‫إلى ذلك على أنه إدمان من نوع ما‪ .‬وهو إدمان نمارسه نحن البشر منذ ماليين السنين دون أن ندري أنه كذلك‪،‬‬ ‫زودنا الخالق به لنستمد حاجاتنا الجسدية ونحقق توازننا النفسي‪ .‬ومثل أي نزعة إدمانية أخرى‪ ،‬فقد تنحرف الشهية‬ ‫نحو اإلفراط الشديد في اشتهاء مادة معينة‪ ،‬األمر الذي يمكن أن يقود في النهاية إلى مشكالت صحية أخرى‪،‬‬ ‫كالوزن الزائد أو السمنة إلخ‪ ،‬وبالتالي إلى عواقب وخيمة يصعب في كثير من األحيان التنبؤ بنتائجها‪.‬‬ ‫ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﺷﺗﮭﺎء اﻟطﯾﺑﺎت واﻹدﻣﺎن | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ ‪2018‬‬ ‫‪DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/bxngq‬‬