Location via proxy:   [ UP ]  
[Report a bug]   [Manage cookies]                
التنمية البشرية Human Development 1. المقدمة: تذهب التنمية البشرية Human Development (HD) الى ما يتجاوز مؤشر التنمية البشرية Human Development Index (HDI), الذي تتساوى معه في كثير من الاحيان. وقد تم تعريف التنمية البشرية بأنها "عملية توسيع خيارات الافراد. تلك الخيارات التي تعد أكثر أهمية في أن يعيش الافراد حياة صحية ومديدة و يتعلمون ويتمتعون بمستوى معيشي لائق. وتشمل الخيارات الإضافية الحرية السياسية وحقوق الإنسان المكفولة واحترام الذات "(HDR 1990, p. 10). ويعد مؤشر التنمية البشرية في حد ذاته بالتالي مقياسًا اختزاليًا وغير كامل للتنمية البشرية، يتضمن فقط مجموعة فرعية من الخيارات البشرية المحتملة, تاركًا العديد من جوانب الحياة التي تعد ذات أهمية أساسية. وفي الواقع، يتم توجيه المقياس, الذي يشمل متوسط العمر المتوقع والأمية وسنوات التعليم ومقياسًا معدلًا للدخل، الى الخيارات المشار إليها تحت مسمى 'الأهم' في التقرير الأول. وتدور التنمية البشرية حول ما يمكن للأفراد القيام به وما يمكن أن يكونوا؛ فهي عملية تحسين رفاهية الافراد وتوسيع مجال حرياتهم وفرصهم. ويؤكد مدخل التنمية البشرية على التجارب اليومية للأفراد العاديين, بما في ذلك مدى العوامل التي تشكل فرصهم والتي تمكنهم من أن يعيشوا الحياة والقيم التي يختارونها. ويمكن للافراد الذين يتمتعون بمستويات مرتفعة من التنمية البشرية استثمار ذلك في انفسهم وذويهم وأن يعيشوا الحياة بكامل امكاناتهم, في حين يجد الافراد الغير متمتعين بالتنمية البشرية العديد من الابواب المغلقة و العديد من الفرص والخيارات بعيدة المنال. وتعد التنمية البشرية من بنات أفكار عالم الاقتصاد الراحل Mahbub ul Haq, الذي اعتقد ان المقياس المستخدم للناتج المحلي الاجمالي كان غير مناسب لقياس الرفاهية. وبالعمل مع الحائز على جائزة نوبل أمارتيا سن Amartya Sen, عام 1990, قام د. حق Haq بنشر أول تقرير للتنمية البشرية تحت رعاية برنامج الامم المتحدة الانمائي. وقد أظهر هذا التقرير مؤشر التنمية البشرية المعد حديثًا, والذي سمح بتقييم جميع دول العالم ليس حسب حجم اقتصاداتها وانما عن طريق مدى رفاهية شعوبها. ويقيس مؤشر التنمية البشرية ثلاثة أبعاد أساسية لرفاهية الانسان: الحياة الصحية المديدة والحصول على المعرفة ومستوى المعيشة اللائق. ويعرض الاشخاص في جميع انحاء العالم هذه الامكانات الثلاثة باعتبارها اللبنات الاساسية للحياة الكريمة, ويعد مؤشر التنمية البشرية مقبولًا على نطاق واسع كمعيار عالمي لقياس رفاهية أعداد كبيرة من السكان. وتكمن مهمتنا الأولى في تحديد جوانب الحياة التي يمكن تحديدها بشكل معقول لتكون جزءًا من التنمية البشرية HD . وللقيام بهذا, نعمل على معاينة وفحص عدد قليل من المحاولات الكثيرة التي بذلت لتحديد الحياة الكاملة، على الرغم من ان لهذه المحاولات أسس فلسفية مختلفة بشكل عام، الا ان هناك اتفاق واسع النطاق حول الأبعاد الرئيسية التي ينبغي إدراجها . وفي ضوء ذلك، وضعنا قائمة بفئات الحياة التي نرى أنها جيدة ليتم تضمينها كجزء من التنمية البشرية HD . وبعد تحديد الفئات الرئيسية التي رغبنا في ادراجها كإيضاح لفئات الخيارات المرتبطة بالتنمية البشرية, نحاول فيما بعد تحديد مؤشرات الاداء في كل فئة من الفئات, مع مراعاة كلا من امكانية القياس وتوافر البيانات على حد سواء. كما قمنا باستكشاف العلاقات بين المؤشرات في كل فئة, هادفين الى تحديد مؤشرا واحدًا أو عدد قليل من المؤشرات لتمثيل كل فئة. وقد أوضحنا فيما بعد مدى ترابط هذه المقاييس في مختلف البلدان مع مقاييس التقدم المقبولة بشكل واسع النطاق, بما في ذلك مؤشر التنمية البشرية ومتوسط دخل الفرد (PPP) ووفيات الاطفال دون الخامسة. وقد مكننا ذلك من ان نرى ما اذا كان توسيع نطاق مقاييس التنمية البشرية الى ما يتجاوز مؤشر التنمية البشرية يتطلب مجموعة واسعة من المؤشرات لتمثيل الاداء النسبي للدولة أكثر من مؤشر التنمية البشرية, أو بالأحرى متوسط دخل الفرد. وبقدر ما يقوم به, ينبغي أن يوفر ذلك مقياسًا محسنًا للتقدم وتحليلًا وخيارات سياسية. ينبغي أن نلاحظ أنه، كما هو الحال مع معظم محاولات تقييم التنمية البشرية HD (أو بالأحرى مدخل القدرات لسين، الذي ترتبط به ارتباطًا وثيقا (سين 1999)، يمكننا أن نلاحظ فقط الإنجازات الفعلية وليس مجموعة الخيارات المسبقة المتاحة. وتشير المجموعة الفعلية للإنجازات على أي متغير، بطبيعة الحال، على أنه جزء من مجموعة خيارات ممكنة، ولكن مجموعة الخيارات تذهب بشكل افتراضي أبعد بكثير من الأداء الفعلي. 2. تعريف الحياة الكاملة, او تعريف واسع للتنمية البشرية: Defining the Full Life, or a broad definition of Human Development لقد كان تحديد ما يجعل الحياة كاملة موضوعًا مركزيًا للفلاسفة والساسة على مر التاريخ. فقد تم تكريس اخلاقيات ارسطو في تحديد الشروط اللازمة لتحقيق السعادة eudemonia, التي تفسر عادة على انها "الحياة الافضل" (Bostock, 2000, p. 15). ويقدم ألكير Alkire 2002 قوائم ناتجة عن 39 محاولة لتحديد ما يجعل الحياة مزدهرة, انتجت على خلال الفترة من 1938 الى 2000, حيث تتبنى كل منها مدخلًا ومبررًا فلسفيًا مختلفًا. ليس هدفنا الاختيار من بين هذه القوائم وانما تحديد رؤية شاملة لأبعاد التنمية البشرية. قد يختار الافراد/ المجتمعات تعزيز كافة الجوانب المحددة او لا, ونحن لا نرغب في القيام بالاختيار نيابةً عنهم. وبالتالي, فكنقطة انطلاق, تعد مجموعة الأبعاد المجموعة التي تتضمن كافة العناصر التي قد تم تحديدها كجوانب محتملة لازدهار الانسان, بهدف محاولة قياس انجازات الدولة على هذه الأبعاد المتشعبة. وهناك مشكلات واضحة لمثل هذا القياس, بما في ذلك, أولا, تحديد مقياس جيد بشكل مثالي, ومن ثم ايجاد المقاييس (الغير كاملة عادة) المتاحة. ومن المرجح ان تختلف تلك الاخيرة باختلاف المجتمعات. ولجعل مسألة القياس أسهل, علينا أولا وضع مجموعة شاملة من فئات واسعة لاستخدامها كنقطة انطلاق للبحث عن مؤشرات الانجاز. وفي ضوء المحاولات التي أجريت لتحديد أبعاد الازدهار البشري, فقد افترضنا فئات التنمية البشرية الرئيسة التالية: مؤشر التنمية البشرية HDI نفسه, والذي يتضمن الصحة والتعليم ومقياسًا للدخل (أي أنه يغطي نطاق واسع الصحة الجسدية والامية والجوانب الاساسية للرفاهية المادية), الرفاهية العقلية Mental well-being (أي الحالة النفسية للفرد), التمكين Empowerment (لا سيما المحرومين), الحرية السياسية Political freedom, العلاقات الاجتماعية Social relations, رفاهية المجتمع Community well-being, الفروق Inequalities, ظروف العمل Work conditions, الظروف او الاوضاع الترفيهية Leisure conditions, أبعاد الامن السياسي Dimensions of security – political (أي التحرر من العنف السياسي أو عدم الاستقرار), أبعاد الامن الاقتصادي Dimensions of security – economic (أي التحرر من التقلبات الاقتصادية) الظروف البيئية Environmental conditions. وعلى النقيض من الجدول السابق, لم نقم بإدراج الرفاهية الروحية spiritual well-being, نظرًا للمشكلات التي تواجه التعريف والمقياس, كما لم نقم بإدراج احترام الانواع الاخرى, على الرغم من مراعاتنا للاستمرارية البيئية او الاكتفاء البيئي environmental sustainability. ومن ناحية أخرى, قمنا بفصل العلاقات الاجتماعية عن رفاهية المجتمع. فالأولى تعد مسألة أشخاص لديهم بشكل فردي علاقات مرضية مع الآخرين, متضمنة مقاييس كمعدلات الطلاق وأهمية العائلة والاصدقاء وتحمل السمات المختلفة للجيران. ويعد المفهوم الاخير, بدوره, دالة لرفاهية المجتمع ككل ويشمل عناصر مثل معدلات الجريمة المنخفضة ومجتمع مدني مزدهر. كما قمنا أيضا بفصل التمكين عن الحرية السياسية، حيث يرتبط المفهوم الأول بالقوة (أو بنقصها) لدى الافراد الضعفاء نسبيا، مثل الفقراء والنساء والمجموعات الأخرى التي تتمتع بالقليل من القوة، في حين أن يتعلق الاخير بالظروف السياسية الليبرالية بشكل أعم. ولقد اضفنا الفروق كفئة عامة، فمن حيث المبدأ ينبغي ان تقيس الفروق في الفئات الأخرى. ونحن نقوم بذلك لأن وجود فروق متنوعة يؤثر بشكل مستقل على رفاهية الافراد، خاصة تلك الرفاهية الخاصة بالفقراء. ولدينا أيضا شرطين لتمثيل الأمن، أو غياب الاخطار الخاصة بالتنمية البشرية للافراد؛ أحدها يشمل الأمن السياسي (أو التحرر من مخاطر العنف السياسي)، والآخر يشمل الأمن الاقتصادي (أو التحرر من خطر فقدان سبل العيش من خلال التقلبات المتنوعة للاقتصاد). 3. التنمية البشرية في الادبيات الاكاديمية: Human Development in Academic Literature لا تركز معظم الادبيات على تعريف البرنامج الانمائي للأمم المتحدة للتنمية البشرية بشكل مباشر وانما تركز على المدخل القائم على القدرات the capability approach الذي يوفر الاساس الفلسفي الاكثر وضوحا لمفهوم التنمية البشرية. وهناك عدد قليل من المعالجات المفاهيمية المباشرة للتنمية البشرية. فلا يقدم كتاب مارثا نوسباوم Martha Nussbaum تحت مسمى المرأة والتنمية البشرية Women and Human Development تقريرًا متميزًا للتنمية البشرية, ولقد اعتمدت على المدخل القائم على القدرات. وقام بعض الكتاب والمؤلفين بمحاولة للتفريق بين التنمية البشرية والمدخل القائم على القدرات. ومع ذلك, ليس هناك توافق في الآراء على فارق واضح من الناحية المفاهيمية بين التنمية البشرية والمدخل القائم على القدرات, وليس واضحًا ما اذا كان مثل هذا الفارق مفيد أو مطلوب أم لا. فما هو واضح هو أنه في حين يعمل المدخل القائم على القدرات على الارتقاء بالفلسفة الى مستوى الممارسة, تؤكد التنمية البشرية – ولا سيما الممثلة في تقارير التنمية البشرية – على تطبيقات العالم الواقعي او الحقيقي, مع تحديد ودعم السياسات التي تسمو بالقدرات وبالتنمية البشرية في مختلف السياقات الاطر المؤسسية وعلى مختلف المستويات. كما تعتمد التنمية البشرية على ملكية واسعة النطاق. فمن الهادف بناء توثيقًا أشمل وتأكيدًا للمصادر السياسية والفكرية والفنية – التي تمتد من غولييه Goulet وستريتين Streeten مرورًا بستيوارت Stewart ونيرير Nyerereوصولا الى غاندي Gandhi وتشمل المصادر المعروفة على الصعيد الوطني والقيادات النسائية التي تناصر جوانب التنمية البشرية والتي تعمل كتاباتها وأغانيها وخطاباتها على الاستمرار في اثرائها. لقد تطورت الادبيات حول المدخل القائم على القدرات بشكل نشط منذ عام 1990. ومن الجدير بالملاحظة أن المدخل القائم على القدرات يتضمن اثنين من التفسيرات الادبية . المدخل "الضيق" الذي ينظر إليه على انه تحديد الحيز الذي تقيًّم فيه التنمية. وفي المدخل "الواسع" ، يوفر المدخل القائم على القدرات إطار أكثر اتساعا للتقييم، والذي يتضمن الانتباه إلى معالجة الحريات وكذلك للمبادئ مثل العدالة، أو الاستمرارية. وكغيره من الاعمال, يعتمد هذا العمل فهمًا "واسعًا "، وينظر الى العمل الذي اجرته سين Sen على التنمية بشكل اشمل وبنظرة كلية. تسببت كتابات الحائزة على جائزة نوبل أمارتيا سن Amartya Sen ظهور المدخل القائم على القدرات في عام 1980 مع نشر محاضرة عام 1979،تحت عنوان "المساواة او العدالة في ماذا؟". وقد قدمت محاضرات ديوي The Dewey Lectures التي نشرت في عام 1985 حول "الرفاهية، والحرية والقوةWell-being, Agency and Freedom " صياغة فلسفية أشمل للمدخل، بينما اوضحت السلع و قدراتCommodities and Capabilities - مجلد صدر في العام نفسه - ومستوى المعيشة The Standard of Living (1987 ) الارتباطات المتنوعة بالاقتصاد و بالتنمية الاقتصادية . وفي مقالة 1989 تحت عنوان "التنمية كتوسيع للقدرات Development as Capability Expansion", كان الافتراض الخاص بتقرير التنمية البشرية 1990 واضحًا. يؤكد العديد من المؤلفين والعديد من المصادر ان المدخل القائم على القدرات يعتمد على عدة جوانب تم التأكيد عليها في المداخل السابقة له. ومن السمات الرئيسة لهذا العمل: التركيز على الافراد كـ "غاية او ناتج" التنمية؛ وضوح الغايات والوسائل. التمركز حول الافراد People- centered. مفهوما موضوعيا للحرية يرتبط بالرفاهية (القدرات capabilities) والقوة (التمكين empowerment). التركيز على ان الحرية تعد امرًا "واقعيًا" – ليس فقط حرية ورقية ولكن امكانية فعلية. هدف الرفاهية الذي تضمن قدرات متعددة – والتي لا تحتاج الى ان تكون أحادية البعد. مستقر بشكل غريب بشأن الترابط السببي بين الابعاد المختلفة للتنمية البشرية وبين النمو الاقتصادي والتنمية البشرية. التركيز على دعم الافراد كعناصر فاعلة للتنمية, وليس كضحايا سلبيين. القدرة على اعطاء الاولوية لقدرات الفقراء عبر الزمن بينما يوضع في الاعتبار تنمية الاغنياء والقدرات الغير مادية. -------------------------- --------------